السبت، 13 أكتوبر 2012

علماء الشريعة والعلاج بالخلايا الجذعية

إن اكتشاف الخلايا الجذعية (Stem Cells)، وإمكانية استعمال تقنية الاستنساخ لزراعة الخلايا الجذعية الجنينية (E.S.C)، مازال يثير جدلاً كبيراً في العلم والدين والأخلاق والقيم الإنسانية والحضارية· وما يزيد من شدة هذا الجدل الفراغ التشريعي الذي مازال يحيط بهذا الاكتشاف البيولوجي المهم، والاستخدامات الطبية والعلاجية المحتملة له·


ـ ومن ذلك، فإن المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا، تناصر وتؤيد بحماس القيام بالبحوث على الأجنة، بما فيها تجارب الاستنساخ العلاجي على الإنسان، وتجارب العلاج بالخلايا الجذعية الجنينية·فإن البرلمان البريطاني قد أجاز في عام 1990م القيام بالبحوث على الأجنة البشرية، كما أن تقرير هيئة الإخصاب والأجنة البشرية (HFEA) في 8/12/1998م، وتقرير مؤسسة <روزلين> في 1/8/2000م، طالبا بالموافقة على الاستنساخ البشري للأغراض العلاجية، باستخدام الخلايا الجينية الجذعية· وهو ما تميل إليه الحكومة البريطانية منذ سنة 2000م، والتي تنطلق من فكرة <اللامحدودية> (No Limit) في البحث العلمي ومجالات المعرفة·


وفي الولايات المتحدة الأميركية، فإن المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، في تقريرها الجديد بتاريخ 21/11/2000م، تجيز استخدام الخلايا الجذعية الجنينية البشرية لأغراض البحث في <و· م· أ> وبخاصة منها الخلايا الجذعية متعددة القدرات·وفي أستراليا، وافقت الحكومة الاتحادية في عام 1002م، على تشريع موحد يسمح بالاستنساخ <العلاجي>، عن طريق استنساخ الخلايا الجذعية البشرية لأغراض البحوث الحيوية الطبية، وتستخلص الخلايا الجذعية من الأجنة المجهضة، ومن المشيمة، ومن أنسجة البالغين·


ـ علماً بأن هناك أصواتاً قوية (من رجال العلم والدين والسياسة والأخلاق)، في هذه البلدان تعارض بشدة تجارب قتل الأجنة البشرية، واستنساحها لاستخدامها في البحوث الطبية والبيولوجية، تحت مسمى جديد <الاستنساخ العلاجي> (Clonage Therapeutic)، أو العلاج بالخلايا (Cells Therapeutics)، حتى يلقى تشريعاً وترحيباً وتأييداً وتمويلاً·ومن بين هذه الأصوات، عالم البيئة الشهير الأميركي <جون ريفكين> (J. Rifkin)، الذي يطالب باستصدار تشريعات على المستوى الدولي تحرم الاستنساخ الجيني البشري، التكاثري أو العلاجي، وضرورة وقف تجارب <الموت> أو قتل الأجنة، لأنها ستؤدي إلى حضارة الزيف والتزوير، ولكونها تناقض القيم الأخلاقية والإنسانية والحضارة كلها· كما أن العالم الفيزيائي البريطاني <جوزيف روبلاط> (Joseph Roblat) الشهير، والحائز أخيراً على جائزة نوبل للسلام، بأن استنساخ الأجنة سيقود عاجلاً أو آجلاً، إلى مجتمع عالمي مؤزر تسود فيه قيم مضادة لكل ما هو أخلاقي وخير، ويقلب الطبيعة البشرية رأساً على عقب·ونشير هنا، إلى أن الكنيسة الكاثوليكية في هذه الدول تعارض بشدة تجارب قتل الأجنة البشرية، وهو ما أعلنه الكاردينال <وليم كيلر> في <بالتيمور>، أمام المجلس الوطني لأساقفة الكاثوليك بالولايات المتحدة، أن الكنيسة الكاثوليكية تعارض تجارب قتل الأجنة لأنها تمس حرمة وكرامة الإنسان·


ـ ونلاحظ هنا، أن الدول الأوروبية في معظمها و(الكاثوليكية منها بخاصة)، كألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، والنرويج، وأسبانيا، والبرتغال، دون نسيان اليابان، والصين، والفاتيكان، وكذلك البرلمان الأوروبي، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة التربية والعلوم (UNESCO)، والأمم المتحدة (ONU)، وكبار الحاخامات اليهود، كلها تعارض بشدة الاستنساخ لأغراض التكاثر البشري، وتحدد حقوق الإنسان من الأبحاث في هذا المجال البيوتكنولوجي·فإن هذه الدول، وهذه المنظمات الدولية، تحظر الاستنساخ <التكاثري> (Reproductive Clouing)، ولكنها تسمح بالاستنساخ <العلاجي> (Therapeutic Cloning)، باستنساخ الأجنة البشرية لاستخدامها في البحوث والتجارب الطبية والحيوية والبيولوجية، متجاهلة إهلاك الجنين وتدميره من أجل هذا الاستنساخ <العلاجي>· وهي معضلة أخلاقية وإنسانية توجب وضع <مدونة سلوك> للباحثين، وفقاً لإعلان الاتحاد الأوروبي في باريس بتاريخ 2 يناير 1998م، ولبيان الفاتيكان الصادر في شهر فبراير 1998م، ولإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة (ONU) في 9 ديسمبر 1998م حول البنية الوراثية البشرية·


ـ والجدير ملاحظته هنا، أن القوانين الألمانية الصارمة، تعارض بشدة استنساخ الأجنة البشرية، ولأي سبب كان، وتحظر استنساخ الخلايا الجذعية البشرية لأغراض البحوث الطبية· ورغم ذلك، فإن علماء ألمان خططوا لاستيراد الخلايا الجذعية الجنينية من الولايات المتحدة، لإجراء أبحاث عليها، استغلالاً لثغرة في التشريعات الألمانية الصارمة، لأن القانون الألماني لا يمنع استيراد خلايا الأجنة·وفي هذا السياق، فإنه في الولايات المتحدة الأميركية، نظراً للسماح باستنساخ الأجنة البشرية في العلاج الطبي، وقتل الأجنة من أجل القيام بالبحوث الطبية وبخاصة في القطاع الخاص، ظهرت هناك عصابات تخصصت في تأجير الفتيات وجعلهن يحملن <سفاحاً>، ثم يجهضونهن ليستغلوا أنسجة الجنين في العمليات الجراحية المختلفة، مثل أنسجة المخ لعلاج مرض <الباركنسون>، والبنكرياس لعلاج مرض السكر، وخلايا الدم لعلاج سرطانات الدم و<الأنيميا والثلاسيميا> وغيرها· مما سيفتح أسواقاً عالمية، للاتجار البغيض بخلايا وأنسجة وأعضاء الأجنة البشرية، لم يعرف تاريخ الرق مثيلاً لها، في عالم ملؤه الجشع والزيف والتزوير، على حساب الجنين الآدمي، أضعف المخلوقات على الأرض·


ـ وعلى هذا الأساس، وافق مجلس الوزراء الياباني في شهر أكتوبر العام 2000م، على قانون يفرض أحكاماً بالسجن أقصاها عشر سنوات (أي من جرائم الجنايات)، وغرامات باهظة تصل إلى عشرة ملايين <ين>، على كل عالم أو باحث يقوم بأنشطة أو تجارب الاستنساخ البشري التكاثري، أو يستخدم الأجنة البشرية لأغراض تجارية، أو يقوم بوضعها بعد استنساخها في رحم أنثى البشر أو الحيوان·


ـ ورغم هذا، يتشابه هذا التشريع الياباني، مع مثيله في الاتحاد الأوروبي الذي يحظر الاستنساخ التكاثري، ولكنه يسمح بما يعرف: <بالاستنساخ العلاجي>، ويسعى إلى وضع قواعد للسماح بالأبحاث المعملية في مجال الأجنة المستنسخة، للحصول على خلايا جذعية جنينية علاجية، تستعمل أنسجتها وأعضاؤها كاحتياطي للزرع عند الضرورة، أو كقطع <تبديل> في حالات المرض أو في حال الحوادث الطارئة، للتعويض عن قلب أو كبد أو بنكرياس أو أعصاب مريضة أو معطوبة· وتستخلص الخلايا الجذعية من الأجنة المجهضة، أو الزائدة، ومن المشيمة ومن أنسجة البالغين، ومن الحبل السري· وكذلك من الأجنة البشرية المستنسخة عند الضرورة·
: موقف الفقه الإسلامي من العلاج بالخلايا الجذعية
ـ إن الإسلام لا يعادي البحث العلمي، ولا مانع لديه من الاستنساخ في مجال الحيوان والنبات، أما استنساخ الأجنة البشرية ثم إهلاكها أو تدميرها، لاستخدامها في البحوث العلمية، والعلاجات الطبية <الثورية>، لاستعمال الخلايا الجذعية الجنينية، أو الخلايا الجزيئية، هو أمر يرفضه الإسلام بحزم، لقوله تعالى: <من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً> المائدة:32·فاستخدام الخلايا الجذعية (E.S.C)، التي تؤخذ من الجنين الآدمي، في أول 14 يوماً من تكونه، لا يكون إلا بعد إنشاء الجنين ثم تدميره (أي قتله)· فهو ينطبق عليه شرعاً، ما ينطبق على الإجهاض الإجرامي، الذي هو جريمة في حق الجنين البشري· فإن <إسقاط الحمل>، دون عذر شرعي، هو محرَّم شرعاً، ويعد جناية تعاقب عليها الشريعة الإسلامية، لقوله سبحانه: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) الإسراء:31·وقال فقهاء الإسلام: إن إسقاط الحمل (الجنين) قبل نفخ الروح فيه، أي قبل تمام الشهر الرابع الرحمي، هو حرام أو محظور شرعاً، لأن فيه حياة النمو والإعداد، فلا يجوز إسقاطه إلا بعذر شرعي يبيح الإجهاض، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية والظاهرية· فإنه من يتعدى عليه بإسقاطه، أو قتله، فعليه الدية شرعاً· فإذا كان الإجهاض لغير سبب مشروع، فإنه يصبح قتلاً للنفس البشرية، مما يستوجب المسؤولية الجزائية· ومن ثم فإنه يحظر نهائياً، استخدام العقاقير لإجراء أي تجارب على الأجنة البشرية، فربما يكون لذلك أضرار مدمرة·


ـ وعلى هذا الأساس، فإن ما يسمى <بالاستنساخ العلاجي> في العلوم الحيوية والبيولوجية في تقنياتها الجديدة المتقدمة، ما هو إلا تجارب لقتل الأجنة البشرية، أي <إبادتها>، لاستخلاص الخلايات الجذعية الجنينية ومنها الخلايا متعددة القدرات (P.S.C)، تحت غطاء خدمة <العلاج> أو خدمة <الإنسان>· فإن استنساخ الأجنة، ثم تدميرها، تحت مسمى جديد، جلباً لعاطفة الرأي العام وتأييده، هو تلاعب بالجنين الآدمي، وبهندسة الخلايا والجينات، ومعايير الموروثات، لا طائل من ورائه سوى تحقيق طموحات بعض العلماء، أو بعض المؤسسات الصحية المتخصصة لتحقيق مكاسب مادية (تجارية) أو شهرة زائفة·


ـ إن الإسلام لا يسمح بإجراء بحوث تهدف إلى تغيير الصفات الوراثية للخلايا الملقحة، أو التلاعب بها، أو اختيار جنس المولود، لأن ذلك تغيير لخلق الله تبارك وتعالى، لقوله عز وجل: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) النساء:119· وقوله سبحانه: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً) الفرقان:2· ثم يقول ناهياً عن التلاعب بهذه المعايير: <ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الأعراف:65·وفي هذا الاتجاه فإن، الإسلام يعارض بقوة، استخدام الخلايا الجذعية الجنينية (ESC)، المأخوذة من الأجنة البشرية، بعد إهلاكها عمداً وقصداً، وتحت أي ظرف، لأن ذلك يتناقض مع كرامة الجنين الإنسانية، وحماية الجينات على الخلايا الجذعية متعددة القدرات، هو أمر لا يمكن تبريره، للاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية·


ـ والجدير ذكره هنا، أن الشريعة الإسلامية الغراء تعد أول تشريع في العالم ينظم أحكام الجنين (بوصفه أصل الآدمي ومادته)، والحقوق المتعلقة به· وهذا منذ خمسة عشر قرناً وقبل القوانين الوضعية والدولية، فإحاطته بالحماية الشرعية، وبسياج من الحقوق والضمانات، تضمن له البقاء والحفظ والكرامة والحرمة والمعصومية، وعدم الاعتداء أو الإهانة، وتحريم العبث به أو التلاعب بجسده أو جثته·
ضرورة ترشيد نقل تكنولوجيا العلوم الحيوية والبيولوجية
إن المطلوب هو ضرورة ترشيد نقل تكنولوجيا العلوم الحيوية والبيولوجية (البيوتكنولوجيا)، وهندسة الجينات، والاستنساخ الجيني البشري، لأن أكثرها لا أخلاقي، ويتعارض مع قواعد الفقه الإسلامي وأحكامه وأصوله ومقاصده الشرعية· وذلك بوضع ضوابط شرعية وأخلاقية لبحوث الهندسة الوراثية والخلايا الجذعية·إن الإسلام يعارض بشدة إنهاء الحياة الإنسانية عن طريق الإجهاض، وتيسير الموت (Euthanasia)، وعمليات الاستنساخ، وتجارب قتل الأجنة البشرية، والتلاعب بهندسة الجينات ومعايير الموروثات وعمليات الإخصاب والتكاثر، واستنساخ الأجنة <العلاجي>، تحت أي مبرر من المبررات، وأن الطبيب أو العالم أو الباحث، إذا قام بمثل هذه الممارسات، أياً كانت صورتها، كان آثماً وكسبه حرام، وعليه أن يقف عند الحد المباح·


ـ ولهذا ينبغي على العلماء في الدول العربية والعالم الإسلامي، السيطرة على البحوث المتعلقة بالخلايا الجذعية، ومنع استخدام تقنيات استنساخ الأجنة البشرية، لأن الغرض من بحوث الخلايا الجذعية الجنينية ما هو إلا إهلاك وتدمير للأجنة من دون مسوغ شرعي، تحت مسمى جديد يتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية والحضارية والإنسانية· إن ما يعرف بالاستنساخ <العلاجي>، هو نوع من <الإبادة> الجماعية للأجنة البشرية، والتي ستؤدي حتماً إلى الانتفاء الجيني البشري، وهي جناية ضد الإنسانية برمتها·ومن المعلوم أن تجارب استنساخ الأجنة ليست آمنة، لانعدام احتياطات الأمن والسلامة، فإن العديد من علماء الإخصاب في الولايات المتحدة الأميركية، يستطيعون الوصول بكل سهولة إلى البيوض البشرية المحفوظة، وهم يفكرون جدياً في القيام بعمليات الاستنساخ البشري في مختبراتهم، وحتى دون نقلها إلى أرحام النساء، مما سيؤدي إلى اختلاط الأنساب، وظهور حضارة الزيف والتزوير والسقوط في الدياجير·


ـ إن أي محاولة لاستخدام تكنولوجيا الاستنساخ الجديدة، بما فيها تجارب الأجنة المستنسخة، للحصول على الخلايا الجذعية الجنينية، تحت مسمى <الطب الثوري أو التجديدي>، وعلاجات الخلية، هي وسيلة غير مقبولة في الفقه الإسلامي، لأنها تقوم على إهلاك الأجنة البشرية· كما أن مغالطات علماء الأحياء والبيولوجيا، بالتفرقة بين الاستنساخ <العلاجي> واستنساخ <الأجنة البشرية> للحصول على الخلايا الجذعية (ومنها الخلايا المتعددة القدرات)، هو شيء مزيف ومزور، لأن أحدهما يقود لا محالة إلى الآخر، لإحلال ما يشاءون من الخلايا والأنسجة والأعضاء· وهو أمر لا يمكن تبريره أخلاقياً، ولا يستند إلى أسس دينية وعلمية وطبية سليمة·


ـ ونلاحظ هنا، أنه يستوجب على العلماء، مراعاة للنواحي الأخلاقية والدينية، ضرورة البحث في البدائل الممكنة في هذه المجالات، ومنها: استخدام الخلايا الجذعية البالغة المأخوذة من الدماغ أو غيره، وإعادة برمجة الخلايا البالغة، واستنبات الأوعية الدموية، واستخلاص الخلايا الجذعية البالغة من الأعضاء المهمة، والزراعة الذاتية لعضلات القلب، والاستفادة من الخلايا الجذعية من الحبل السري، وغيرها مما يدخل في إطار التداوي· والتداوي قد أمر الإسلام به، لقوله صلى الله عليه وسلم: <إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، فتداووا>· (رواه مسلم) وقوله عليه الصلاة والسلام: <تداوو فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد·· قالوا: ما هو؟·· قال: الهرم> (رواه الإمام أحمد
ـ فإنه يجب على علماء الطب والبيولوجيا (Biotechnology)، ضرورة البحث عن مسببات الأمراض التي مازالت خافية، لأن هناك العلاج لكل داء، في إطار كرامة الإنسان واحترام حقوق الجنين البشري، في حياته وجسده وجثته· كما نهيب بضرورة استصدار تشريعات، على المستويين المحلي والدولي، لأن التأكيد على الطابع الأخلاقي وحده لا يكفي، تُحرِّم الاستنساخ الجيني البشري، وتمنع تجارب قتل الأجنة البشرية، التي تجاوزت الحد، والتي يمكن أن تتطور بسرعة وفي صورة يتعذر على الإنسانية إلغاؤها في المستقبل·


ـ وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي النواحي الفقهية والأخلاقية، في دورته السادسة المنعقدة بجدة في مارس 1990م، وأصدر قراراته الشهيرة تحت رقم 54، 55، 56، 57، 59، 60، والتي قرر فيها ما يلي:أ ـ الجنين الآدمي له حرمة، فلا يجوز إجهاضه من أجل استخدام خلاياه واستثمارها تجارياً، كأن تُباع لإجراء التجارب عليها واستخدامها في زرع الأعضاء واستخراج بعض العقاقير منها·ب ـ لا يجوز استنساخ الأجنة للحصول على الخلايا الجذعية الجينية·جـ ـ لا يجوز التبرع بالنطف المذكرة أو المؤنثة سواء كانت حيوانات منوية أو بويضات، لإنتاج بويضات مخصبة تتحول بعد ذلك إلى جنين بهدف الحصول على الخلايا الجذعية منه·د ـ يجوز الارتفاع بالخلايا الجذعية الجنينية المستمدة من الأجنة المجهضة لأسباب علاجية، أو الأجنة الساقطة والتي لم تنفخ فيها الروح بعد، سواء في زراعة الأعضاء أو الأبحاث والتجارب العلمية والمعملية وفقاً للضوابط الشرعية التي تركز أساساً على ضرورة الموازنة الشرعية بين المفاسد والمصالح·هـ ـ يجوز نقل الخلايا الجذعية الجنينية في حال الجنين الميت، والانتفاع بها لعلاج الأمراض المستعصية في المخ ونخاع العظام وخلايا الكبد وخلايا الكلى والأنسجة الأخرى، وفقاً للضوابط الشرعية المعتبرة في نقل الأعضاء والأنسجة من جثث الموتى·و ـ ليس هناك ما يمنع شرعاً من الحصول على الخلايا الجذعية من خلال الحبل السري أو المشيمة·ز ـ يجوز استخدام الخلايا الجذعية الموجودة في الإنسان البالغ، إذا كان أخذها منه لا يشكل ضرراً عليه وأمكن تحويلها إلى خلايا لعلاج شخص مريض، وكان هذا الاستخدام يحقق مصلحة شرعية كزراعة الأعضاء·


ـ بهذه القرارات التاريخية الصائبة، يكون المجمع الفقهي الإسلامي قد فتح الباب واسعاً للانتفاع بالخلايا الجذعية الجنينية، سواء في العلاج بالخلايا أو الأنسجة أو زراعة الأعضاء أو الأبحاث والتجارب المعملية، وفقاً للشروط الشرعية التي ذكرها المجمع الفقهي في صلب قراراته المذكورة، بأن يرتكز الانتفاع أساساً على حرمة الجنين الآدمي، والمصلحة الشرعية المؤكدة من العلاج أو البحث العلمي، وضرورة الموازنة الشرعية بين المفاسد والمصالح·


ـ إن هذه القرارات الاجتهادية هي أنموذج حي لتطور الفقه الإسلامي دائماً إلى الأمام، وذلك عن طريق الاجتهاد بالرأي عند سكوت النص الشرعي، لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلة الشرع ومقاصده وقواعده الكلية، أو عن طريق إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص للاشتراك في علة الحكم· وقد سار مجمع الفقه الإسلامي على هذا المنهج الاجتهادي لمسايرة جميع التطورات الحديثة المستجدة في علوم الطب والجراحة والبيولوجية والأحياء الهندسية الوراثية، وقام بتخريجها تخريجاً شرعياً على قواعد الفقه وفقاً لأصوله وأحكامه العامة والخاصة·


وبهذه الفتاوى التاريخية ظهر عهد جديد في ميدان الطب وعلوم الأحياء والبيولوجية الجزيئية، لسد الفراغ التشريعي في هذه المسائل حتى لا تتعدى الحدود الشرعية، ودفع العلماء إلى البحث العلمي والتجارب الطبية للأغراض العلمية والعلاجية، وبالتالي: فإن العلم أو العلاج يكونان عندئذ مصلحة شرعية مؤكدة، تحقيقاً لامتداد المجتمع وبقائه، ولخدمة منفعة الناس والصالح العام، وهذا كله في إطار حماية الإنسان في حياته وجسده وجثته وأصله الآدمي وهو الجنين، فالآدمي محترم حياً وميتاً في الشريعة الإسلامية·والله عز وجل هو العليم بكل شيء، وهو الهادي إلى الحق والصواب، إنه على كل شيء قدير·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق