تعتبر المداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) الأسلوب المفضل في علاج حالات احتشاء عضلة القلب الحاد المصاحب بارتفاع قسم ST في تخطيط كهربية القلب(STEMI) من أجل استعادة الاستقناء ميكانيكياً، وذلك عن طريق توسيع الشريان التاجي المصاب بالبالون وزرع الدعامة، إلى جانب العلاج بمثبطات IIb/IIIa. قد يمثل هذا الإجراء العلاجي – عندما يطبق بعد الإصابة مباشرة – وسيلة فعالة في الوقاية ضد نخر عضلات القلب الشديد، وبالتالي يساهم في المحافظة على وظائف البطين الأيسر في معظم الحالات. وعندما يتعذر تطبيق المداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) لأي سبب، يمكن تطبيق أسلوب العلاج بحقن المستحضرات الدوائية التي تعمل على انحلال الفيبرين داخل الوريد، لكن نتائج هذا العلاج الدوائي لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق، وقد تفشل في استعادة الإرواء في حوالي 25% من المرضى. وفي حالة تطبيق المداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) في مراحل متأخرة أو فشل العلاج الدوائي بحالّات الفيبرين، أو عندما يظل المريض دون علاج مناسب، يعتمد مدى إصابة عضلة القلب بالنخر في المقام الأول على حجم القطعة من عضلة القلب التي يقوم الشريان التاجي المصاب بتغذيتها. قد تصاحب تلك الحالات بخلل شديد في وظائف البطين الأيسر وكذلك بالفشل القلبي.
يمثل أسلوب العلاج بحقن الخلايا السالفة المخصبة داخل الأوعية التاجية بعد الحصول عليها من النخاع العظمي للمريض بعد الإصابة باحتشاء عضلة القلب الحاد، خياراً جديداً تماماً في العلاج يؤدي إلى تحسين وظائف البطين الأيسر.
يعتمد هذا المنهج العلاجي الجديد على نتائج الأبحاث التي أجراها Orlic والتي نشرتها مجلة Natureعام 2001. نجح Orlic في الكشف عن تخليق الخلايا العضلية القلبية من خلايا النخاع العظمي ذاتية المنشأ داخل المختبر. استخدمت نتائج هذه التجربة المخبرية ضمن الدراسة البشرية الأولية التي أجراها Strauer، الذي يعد أول من استخدم خلايا النخاع العظمي ذاتية المنشأ في علاج حالات احتشاء عضلة القلب بالحقن مباشرة داخل الأوعية التاجية، وأول من لاحظ حدوث تحسن في وظائف البطين الأيسر أثناء الفحص بعد مرور فترة ثلاثة أشهر على العلاج. هذا وتعتبر الدراسة الاستباقية المعشاة REPAIR-AMI (Reinfusion of Enriched Progenitor Cells And Infarct Remodelling in Acute Myocardial Infarction) التي أجريت في عدة مراكز بالتزامن (منها المستشفى الجامعي بمدينة فرانكفورت بالتعاون مع مركز القلب التابع لمستشفى الصليب الأحمر بفرانكفورت، بالإضافة إلى مجموعة من 16 مركزاً آخر من مراكز القلب في ألمانيا وسويسرا) من أهم الدراسات التي قامت بمقارنة النتائج الإكلينيكية للعلاج بالخلايا السالفة ذاتية المنشأ المكتسبة من النخاع العظمي عند الحقن داخل الأوعية التاجية وبين العلاج الغفل.
أجريت دراسة REPAIR-AMI على 204 مريض أصيبوا باحتشاء عضلة القلب الحاد المصاحب بارتفاع قسم ST في تخطيط كهربية القلب(STEMI)، وخضعوا للعلاج بالمداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) خلال 12 ساعة بعد الإصابة وظهور الأعراض، حيث ظهر انخفاض ملحوظ في الحجم القذفي للبطين الأيسر بعد استعادة إرواء الشريان التاجي. تم اختيار عدد عشوائي منهم لتلقي العلاج بالخلايا السالفة المخصبة ذاتية المنشأ بينما خضع باقي المرضى إلى العلاج الغفل. بعد مرور فترة 5 – 7 أيام من العلاج بالمداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) تم شفط خلايا النخاع العظمي من جميع المرضى، ثم أرسلت العينات إلى مختبر المعالجة المركزي التابع لبنك الدم بمستشفيات الصليب الأحمر في فرانكفورت، حيث تمت معالجتها وإعادتها في نفس اليوم للاستخدام في الحقن داخل الأوعية التاجية. أجري التصوير الأساسي لأوعية البطين الأيسر أثناء الحقن العلاجي داخل الأوعية التاجية، وتم تكرار التصوير بعد مرور 4 أشهر. وكان التغير المطلق في الحجم القذفي الشامل للبطين الأيسر (LVEF) بداية من الخط القاعدي وحتى أربعة أشهر هو نقطة النهاية الأولية في هذه الدراسة طبقاً لنتائج القياس أثناء التصوير الكمي لأوعية البطين الأيسر. أما نقطة النهاية الثانوية فقد شملت التغيرات التي حدثت في الحجم عند نهاية الانقباض وعند نهاية الانبساط، إلى جانب التغيرات في حركة الجزء المحلي من الجدار. كما تم إجراء تحليلات محددة مسبقاً للمجموعات الفرعية للكشف عن حدوث أي تفاعل بين نقطة النهاية الأولية مع الخط القاعدي للحجم القذفي للبطين الأيسر، وكذلك الفترة الزمنية حتى بداية العلاج بالحقن داخل الأوعية التاجية. شملت اختبارات نقطة النهاية المحددة مسبقاً الأحداث الضارة الرئيسية ( في صورة وفاة، أو تكرار الإصابة باحتشاء عضلة القلب أو تطبيق أية إجراءات لإعادة الـتوعية) بالإضافة إلى دخول المريض إلى المستشفى مرة أخرى بسبب الفشل القلبي. كما تم تقييم الأحداث الإكلينيكية الأخرى أو النقط النهائية المشتركة فيما بعد وفقاً لما تمليه الظروف. ولم يشمل التحليل سوى الحدث الأول في كل حالة.
كشف تقييم المرضى بعد أربعة أشهر أن التحسن التام في الحجم القذفي الشامل للبطين الأيسر(LVEF) يرتفع بدرجة ملحوظة في المجموعة التي خضعت للعلاج بخلايا النخاع العظمي الجذعية مقارنة بالمجموعة التي تلقت العلاج الغفل. وكان متوسط ارتفاع قيمة الحجم القذفي الشامل للبطين الأيسر 5,5 ± 7,3% في مجموعة العلاج بخلايا النخاع العظمي مقارنة بمتوسط 3 ± 6,5 % في مجموعة العلاج الغفال (P=0.01). وقد ظهر أن أكثر استفادة حدثت في الحالات ذات الحجم القذفي الشامل للبطين الأيسر عند الخط القاعدي أو أقل من القيمة المتوسطة 48,9%، حيث حقق العلاج تحسنا شاملا في الحجم القذفي للبطين الأيسر بما يعادل 5%. عند الفحص بعد عام واحد ثبت أن العلاج بحقن الخلايا الجذعية المكتسبة من النخاع العظمي داخل الأوعية التاجية صاحبه انخفاض في نقط النهاية الإكلينيكية المحددة مسبقاً من حيث الوفاة وتكرار الإصابة باحتشاء عضلة القلب والعلاج المتكرر لإعادة التوعية (P=0.01). هكذا تشير نتائج حقن خلايا النخاع العظمي المخصبة داخل الأوعية التاجية إلى تحقق تحسن واضح في وظائف البطين الأيسر بعد الإصابة باحتشاء عضلة القلب.
لم يتم حتى الآن التعرف بالكامل على الآليات التي تسبب تحسن وظائف البطين الأيسر بعد الإصابة باحتشاء عضلة القلب والعلاج بحقن الخلايا الجذعية المكتسبة من النخاع العظمي داخل الأوعية التاجية. ولم تثبت حتى الآن صحة الافتراض الأولي القائم على تخليق الخلايا العضلية القلبية من الخلايا السالفة. من المعتقد أن هناك عوامل نظيرة الصماوية تصاحب حقن الخلايا تساهم في تحسن عملية تكون الأوعية الجديدة في المنطقة المصابة بالاحتشاء، وكذلك في الوقاية ضد إعادة التشكيل السلبي للبطين الأيسر.
بناء على الأبحاث سابقة الذكر، يقوم مركز القلب التابع لمستشفيات الصليب الأحمر بمدينة فرانكفورت، والذي يعد من المراكز القيادية في مجال مداخلات الأوعية التاجية عبر الجلد على مستوى أوروبا، يقوم بتوفير برامج علاج معايرة باستخدام خلايا النخاع العظمي في حالات احتشاء عضلة القلب. تطبق هذه البرامج العلاجية بالتعاون مع مؤسسة t2cure التي تتولى تطبيق إجراءات معالجة الخلايا طبقاً للقواعد التي طورت أثناء تجارب REPAIR-AMI. بعد دخول المريض إلى قسم القلب بمستشفى الصليب الأحمر، يتم اختيار الحالات الملائمة لعمل شفط خلايا النخاع العظمي، ثم يطبق العلاج بحقن مستعلق الخلايا داخل الأوعية التاجية في إطار العلاج بالمداخلة الأولية عبر الجلد (PCI) في حالات احتشاء عضلة القلب الحاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق